تجربة 1

تجربة 2

تجربة 3

اللاوعي الطبقي: كيف تشارك الثوريون والفنانون في إطلاق «السريالية»؟

0 التعليقات
نُشِرَ هذا المقال على موقع (Socialism Today) في العدد رقم 120 للمجلة (يوليو/أغسطس) 2008. كتبه  محرر المراجعات النقدية في المجلة، البريطاني «ماني ثاين» (Manny Thain)، عضو الحزب الاشتراكي في إنجلترا وويلز، وترجمه لـ«منشور» أحمد الشربيني.
في عام 1938، اجتمع «ليون تروتسكي» (Leon Trotsky)، أحد قادة الثورة الروسية، مع الفرنسي «أندريه بريتون» (André Breton)، واحد من مؤسسي الحركة الفنية السريالية، و«دييغو ريفيرا» (Diego Rivera)، الفنان والثوري المكسيكي، في مدينة مكسيكو سيتي، وصاغوا معًا بيانًا سمَّوه «نحو فن ثوري حر».
تروتسكي كان الكاتب الرئيسي للبيان، وكان في ذلك الوقت منفيًّا ومُطارَدًا من عملاء جوزيف ستالين، لكن النَّصَّ صدر بتوقيع بريتون وريفيرا.
ألقى «ماني ثين»، كاتب المقال، نظرة على البيان في الذكرى السبعين لصدوره؛ لإعادة تقييم التعاون بين الرجال الثلاثة.

تاريخ السريالية المنسي


أطفال يشاهدون لوحة لسلفادور دالي
لوحة لسلفادور دالي - الصورة: Edal Anton Lefterov

شكَّل البيان دعوة للفنانين والكُتَّاب الراديكاليين من أجل حمل السلاح والأقلام والألوان في مواجهة الفاشية والستالينية، اللذَيْن أكد أنهما كانا نظامَيْن يقمعان التعبير الفني كما قمعا المعارضة العمالية الثورية، وكان البيان في الوقت نفسه تعليقًا على الدور المُفترَض للفن والثقافة في مجتمع طبقي.
لكن ما الذي جمع هؤلاء الرجال معًا في هذه اللحظة بالذات؟ كان هذا وقتًا مضطربًا بشدة، أوشك العالم فيه على دخول حرب عالمية، وكان الاقتصاد الرأسمالي العالمي يعاني أزمةً عنيفة. انقضَّت الفاشية على السلطة في إيطاليا والبرتغال وألمانيا، وفي إسبانيا كانت الثورة قد سُحقت للتوِّ، واندلعت الانتفاضات حول العالم، في فرنسا والولايات المتحدة والصين وبلدان أخرى.
أَحكَم ستالين قبضته على السلطة في روسيا، ووضع مئات الآلاف من الاشتراكيين الثوريين وغيرهم من المعارضين أمام محاكمات هزلية، أرسلهم إلى معسكرات للشُّغل.
كانت بيروقراطيته الحاكمة تشدِّد قبضتها للسيطرة على الأحزاب الشيوعية حول العالم عن طريق «الأممية الشيوعية»، وهو ما يعني أن يلعب الاتحاد السوفييتي دورًا يعزز الثورة المضادة في إسبانيا، وأن يخون العمال والفلاحين الناشطين في الحركات الاشتراكية والتروتسكية والأناركية.
أطلق تروتسكي «الأممية الرابعة» عام 1938، بعد إدراك فشل «الأممية الثالثة» في تحقيق أهداف الثورة. كان هذا وقت الاصطفاف، على كل ثوري في ذلك الوقت أن يسأل نفسه: هل يجب الوقوف خلف الرأسمالية أم الستالينية، أم محاربة الاثنتين؟
فَهِم السرياليون كَوْن التغيير الاجتماعي الجذري شرطًا لتحرير الفن من أجل جموع الناس.
لكن ما علاقة السرياليين بكل هذا؟ قد يبدو الأمر غريبًا اليوم بسبب طمس البُعد السياسي للحركة السريالية في تاريخ الفن. نرى الآن الفن السريالي في متاحف الفن الحديث، كما يحقق شعبية ضخمة وتُقام من أجله معارض مُربحة، ويمتد تأثيره إلى الفنون والسينما والأدب بصورة لا يمكن إنكارها.
ربما أشار أحدهم من آنٍ إلى آخر إلى أن السرياليين الأوائل كانوا ثوريين، أو أنهم تأثروا بأفكار الاشتراكية والأناركية، كما يُشار إلى الانقسامات التي وقعت داخل الحركة السريالية إثر انحراف بعض أعضائها عن الخط الثوري الأصلي، لكن الأمر لا يتجاوز ذلك.
يتجاوز الأمر ذلك في الواقع، إذ كانت السريالية ثورية في جوهرها، بل يمكن القول إنها دارت أساسًا حول الثورة لا غير، فقد أراد السرياليون تحطيم السلطة المؤسسية المتحكمة في الفن والفِكر، وحاولوا كسر القواعد الفنية التقليدية. كانوا تجريبيين، وكانوا روادًا في استخدام التقنيات الثورية؛ كالكتابة الآلية.
تمردت الكتابة الآلية على البناءات الأدبية الجامدة بطريقة تسمح لأي شخص بممارستها. فَهِم السرياليون كَوْن التغيير الاجتماعي الجذري شرطًا لتحرير الفن من أجل جموع الناس، وكان هذا يعني ثورةً تنتزع السلطة من الطبقة الرأسمالية الحاكمة، وتضعها في أيدي جماهير الطبقة العاملة.

ميلاد الحركة السريالية


لوحة سريالية لروبيرتو ماتا
لوحة لـ«روبيرتو ماتا» (Roberto Matta) - الصورة: Pedro Ribeiro Simões

انبثقت السريالية من قلب حركة «الدادا» (Dada) الفنية العدمية أوائل القرن العشرين. شهد العالم حالة استقطاب وتثوير عنيفة في السنين الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، بلغت أَوْجَها في الثورة الروسية عام 1917، حين استولت الطبقة العاملة على السلطة عن طريق حزب ماركسي جماهيري، وأثَّرت هذه الحالة في الفنانين كما أثَّرت في جميع قطاعات الشعب.
وُلدت السريالية في هذه العاصفة، وتلوَّنت بجهود عدد هائل من الشخصيات والاتجاهات المختلفة، وتضمنت عديدًا من الأفكار التي عبَّرت عنها بمُختلِف الوسائط. كانت السريالية فنًّا ثوريًّا يساريًّا بوضوح.
كتب أندريه بريتون «البيان السريالي» عام 1924، مُعلنًا ميلاد الحركة الفنية الجديدة بقيادته هو و«لوي أراجون» (Louis Aragon) و«فيليب سوبو» (Philippe Soupault).
تأثرت السريالية بالنظريات النفسية الجديدة آنذاك، خصوصًا التحليل النفسي الفرويدي.
كان التطلُّع الأهم للسريالية هو إشراك جميع الناس في الممارسة الفنية، لا باعتبارهم متفرجين سلبيين، بل منتجين للفن كذلك.شارك السرياليون في النشاط السياسي الطامح إلى التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي يؤسس لهذا الهدف، بل دارت مناقشات رسمية داخل الحركة عمَّا إذا كان من واجب أعضائها مقاطعة الأحزاب الشيوعية أم لا.
لعب بعض النساء أدوارًا مهمة في تطور الحركة السريالية الفني والسياسي، رغم تركيز التاريخ الرسمي على الفنانين الرجال.
بحسْبِ كتاب «نساء سرياليات» مثلًا، كانت «دنيس نافي» (Denise Naville) تكرِّس جهودها لمقاومة النظام الستاليني مع زوجها «بيير نافي» (Pierre Naville)، والاثنان من رواد الحركة السريالية. وكانت «دنيس» خطًّا واصلًا بين السرياليين الفرنسيين والفنانين الألمان، وترجمت كتابات تروتسكي إلى الألمانية، كما ترجمت بعض أعمال كارل ماركس وفريدريك إنغلز وغيرهما.
تأثرت السريالية بالنظريات النفسية الجديدة آنذاك، خصوصًا التحليل النفسي الفرويدي، وعرَّف بريتون السريالية بأنها «تلقائية نفسية كاملة، يسعى الفنان بها إلى التعبير عن الوظيفة الحقيقية للفكر، بالكلام أو الكتابة أو أي وسيط آخر. إنها إملاءات الفكر المباشرة في غياب كامل لسلطة الوعي، ودون أي هموم جمالية أو أخلاقية». كان يجب تحرير الفكر من قيوده كما وَجَبَ تحرير المجتمع من سلطة الطبقة الحاكمة.
نشرت الحركة السريالية عددًا من الدوريات، مثل «الثورة السريالية» (La Révolution surréaliste) بين عامَي 1924 و1930، وشارك بيير نافي في تحريرها، و«السريالية في خدمة الثورة» (Le Surréalisme au service de la révolution) بين 1930 و1933، وأسهمت هذه المنشورات في سَبْك الحركة ونشر أفكارها خارج فرنسا.
تابع القراءة Résuméabuiyad

اللبنانيون والإنتخابات التركية

0 التعليقات
زكريا حمودان


لا يُستغرب على المواطن اللبناني ولاءاته المتعددة والعابرة لحدود الوطن سواءً متعاطفًا أو مخدوعًا أو مستفيد. هذا الميول المتكرر على مدى سنوات منذ قيام لبنان الكبير حتى كتابة هذه السطور، جعل منه صندوق بريد يتغير حجمه مع تبدل الإحتياجات التي يفرضها من يستغل ضعف الساحة الداخلية. بناء على ما تقدم، نجد بأنَّ الداخل اللبناني اليوم متبعثرًا بين القوى المتصارعة في الشرق الأوسط ضمن حسابات كل فريق وكيف يرى لبنان الغد. أما أحد أوجه الإنتماء الخارجي الظاهر مؤخرًا فهو التهليل لتركيا بشكلٍ يطرح الكثير من التساؤلات في هذا الوقت تحديدًا.
لم تكد تبدأ النتائج الأولية للإنتخابات التركية بالظهور، حتى إنهالت التعليقات على صفحات التواصل الإجتماعي، وتصدرت الشعارات والصُوَر التي تُبَشِر بنجاح حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التشريعية التي شهدتها تركيا، بعدما حالت الإنتخابات الأولى بتشكيل حكومة نظرًا للنتائج المتقاربة التي شهدتها في الإنتخابات الأخيرة في حزيران الماضي. لكي تكون الأمور أكثر وضوحًا، فمن الواضح بأنَّ البيئة المتعاطفة مع نتائج الإنتخابات التركية هي ذات أغلبية سنية. أما الأسباب التي تدفع هذه البيئة للتحرك بهذا الإتجاه فهي متعددة ومنقسمة بين سياسية داخلية وخارجية، أهمها السياسة الخاطئة التي إتبعها من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن هذه البيئة وعلى رأسهم تيار المستقبل الذي أثبت غياب الإستراتيجية لديه في التعامل مع الأزمات اللبنانية الداخلية، وتخليه بشكلٍ أو بآخر عن بيئته التي إحتضنته لسنوات عدة. كذلك من الملفت للإنتباه بأنَّ السياسة التركية تحاول أن تجعل لها مكانًا في الداخل اللبناني قد يأكل من حصة المملكة العربية السعودية التي تتنافس معها أيضًا في سوريا بشكلٍ غير مباشر. أما للعودة إلى الداخل اللبناني، فهناك أسئلة عدة لا بُدَّ وطرحها اليوم على كل من يرفع علم تركيا أو يُهلل لها بشعارات النصر:
ماذا قدمت تركيا إلى البيئة المحرومة في طرابلس والشمال من مشاريع إنمائية حقيقية؟ ماذا فعلت تركيا لمحاربة الفقر والتسرب المدرسي في المناطق عينها؟ ما هو عدد السياح الذين ترسلهم تركيا سنويًا إلى طرابلس وجوارها لإنعاش السياحة في هذه المناطق؟ ما هو عدد المصانع التي بنتها تركيا لإنعاش الحركة الصناعية المعدومة في طرابلس والشمال؟
لم تقدم تركيا أي شيء يُذكر في هذا المجال ولكنها في المقابل قامت بنشر دعاية سياحية لها في شمال لبنان ضمن البيئة السنية بشكلٍ خاص وقد نجحت بذلك بشكلٍ واضح جدًا، ساهمت بتحريك إسطول طياراتها المدنية بين لبنان وإسطنبول، فتحت بابًا جديدًا لأسواقها كما أنها ربحت رؤس الأموال الهاربين من عدم الإستقرار في الداخل اللبناني، ربحت ورقة سياسية هشة تستطيع بأن تلعبها لاحقًا عند نضوج التسويات السياسية المرتقبة للأزمة السورية.
إنَّ هذا الواقع الأليم في غياب الحس الوطني وإرتفاع منسوب السذاجة من خلال التهليل لتركيا أو غيرها، سببه القهر الداخلي الذي فرضته عليها سياسات القمع والتجويع التي تتبعها الحكومات المركزية في لبنان، كما سياسات الأفرقاء بين فشل في التخطيط لإحتضان هذه البيئة سياسيًا، كما خروج البيئة الشيعية عن عقيدة الولاء إلى الوطن وإستبدالها بالولاء لإيران.
تابع القراءة Résuméabuiyad

خلي

0 التعليقات
خليل عكاوي (1955-1986)
في أيار 1958 قامت "الثورة الشعبية" في طرابلس (ولبنان طبعًا) ضد حكم الرئيس كميل شمعون وعلى وقع الارتباط العاطفي بالوحدة المصرية-السورية ومع القائد جمال عبد الناصر.."وخلال ثلاثة اشهر من الثورة والحصار كان المسلحون هم سادة الموقف في الأحياء الداخلية؛ ولم يخلُ الأمر من مُثل حملها الحزبيون من الثوار لكن الثورة تلك أحيت تقاليد القبضايات التي كادت المدينة أن تنساها. كان القبضايات أعداء تقليديين للدولة ولكل سلطة. وفي أزمات سابقة كانوا يبسطون نفوذهم الصغير في الأحياء الداخلية ويعتاشون من "الخوة" والتهريب. وقد جاءت الثورة لتنعش ذاكرتهم وأنماط عيشهم لبرهة من الزمن" ...
وكان لمدينة طرابلس "أسبابها للثورة على الدولة. فقد جربت نزالًا أخيرًا مع الدولة ولم يكن آنذاك قد مضى قديم عهد على ارتضاء أهل المدينة أمر انتسابهم إلى الدولة التي ناصبوها العداء زمن الانتداب، وخاب ظنهم بها عهد الاستقلال. لذا فإن الحزبية العروبية في إحدى وجوهها كانت شكلًا من أشكال عداء المدينة للدولة، إلى جانب الزعامات المحلية وشباب الأحياء وقبضاياتها" .
في الستينيات من القرن الماضي، وبحسب دراسة ميدانية عن العالَم الاجتماعي لـ"مشيخات الشباب" منذ نشوئها في باب التبانة، (كتبها الباحث الفرنسي ميشال سورا )، أسس علي عكاوي (وهو من أصل فلسطيني وشقيق خليل عكاوي البكر الذي سيصير أحد مؤسسي حركة التوحيد الإسلامي)، "منظمة الغضب" التي جمع فيها شبانًا من باب التبانة، محولًا "غضبهم" عصيانًا اجتماعيًا، قوميًا عروبيًا، ضد سلطات الدولة اللبنانية، وجعل "الموت في سبيل الشعب" شعار هذه المنظمة. وكان علي محررًا في دار الصياد قبل أن ينتقل إلى العمل الثوري المسلح..وبحسب رفاق التجربة فقد كان إسم المنظمة في البداية كان "خمسة ثائرون" . خاضت "منظمة الغضب" معارك ضد شركة الكهرباء، كلما حاولت تحصيل فواتير الكهرباء المستحقة من الأهالي. كما ضربت في بعض الأحياء من كانت تسميهم "عملاء الشرعية"، أي رجال قوى الأمن الداخلي وجهاز مخابرات "الشعبة الثانية". ومن أعمال المنظمة أيضًا، قيامها باعتماد ما يسميه الباحث الفرنسي "اللصوصية الاجتماعية" أسلوبًا "نضاليًا" لممارسة الحقد الطبقي والشعبي، ولتمويل التنظيم مثل تفجير مصرف ونهبه، ونهب صيدلية ومتاجر للمواد الغذائية، وصولًا إلى القيام بانتفاضات منظمة تجلت أخيرًا في إعلان 15 تشرين الأول 1971 "يومًا للغضب الشعبي". 
استطاعت القوى الأمنية اللبنانية تصفية "منظمة الغضب" في مطلع السبعينيات من القرن الماضي بمعاونة النظام السوري وذلك كان أول دليل على ارتباط الرئيس اللبناني الجديد (يومها) سليمان فرنجيه بعلاقة خاصة مع الرئيس السوري الجديد (يومها أيضًا) حافظ الأسد (وصل كلاهما إلى السلطة في شهر أيلول 1970) سمحت له بهذا الطلب وببداية التعاون الأمني بين الأسرتين والبلدين لمواجهة الامتداد الفلسطيني المثير لرعب البعث السوري كما لقلق النظام اللبناني..وهكذا تبادل الرئيسان "خدمات" مؤقتة وعابرة، ذهبت ضحيتها "منظمة الغضب" و"شيخ شبابها" علي عكاوي الذي اعتُقل وسُجن سنة 1972 وتوفي في زنزانته بسجن القبة يوم 15 حزيران 1973، بعدما قاد حركة احتجاج داخل السجن. وقيل وقتها إن المكتب الثاني دسّ له السّم في الطعام. وقد تابع شقيقة الأصغر خليل مسيرته "النضالية" مع منظمة "فتح"، ضد من اعتبرهم قتلة أخيه: الدولة اللبنانية ونظام حافظ الأسد البعثي في سورية.
ومن بؤر "اللصوصية الاجتماعية" (بحسب ميشال سورا الذي يروي سيرة خروج هذه البؤر الطرابلسية على الدولة اللبنانية وقوانينها)، بؤرة ما سُمي بـ"دولة المطلوبين" في المدينة القديمة من طرابلس وأسواقها. وهي "الدولة" التي كان أحمد القدور رمزها الأبرز و"شيخ شبابها"، وقد قام الجيش اللبناني بالقضاء عليها بعدما حاصرها طوال شهر كامل من سنة 1974، فخرج بقايا شبانها من أسواق المدينة القديمة ولجأوا إلى أحياء شعبية في طرابلس: السويقة، ظهر المضر، القبة، وباب التبانة الذي كانت "مشيخة شباب" خليل عكاوي قد استعادت نشاطها وضاعفت قوتها فيه على إيقاع مقدمات الحرب الأهلية اللبنانية. وهكذا تحولت "منظمة الغضب" وتراثها إلى تنظيم جديد اسمه "المقاومة الشعبية" نشط لـ"حماية المقاومة الفلسطينية" وللدفاع عن "كرامة" طرابلس و"هويتها" و"ذاكرتها" و"أصالتها" . 
تزامن تأسيس حركة «المقاومة الشعبية» في طرابلس مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وقد ارتكزت في أسسها الفكرية وعناوين تحرّكها على خلفية يسارية أقرب إلى الماركسية الماوية، ورفعت شعارات المقاومة ووحدة الشعب والوحدة العربية ودعم الثورة الفلسطينية. وكان واضحًا تأثر الحركة بالناصرية وبالماوية من جهة وارتباطها بحركة فتح من جهة أخرى. 
وعشية دخول لبنان في الحرب الأهلية (1975) انتقلت الانتفاضات الطرابلسية من الحارات القديمة والأسواق الداخلية إلى باب التبانة وهي عمران عشوائي من ريفيين وقدامى فقراء الحارة...وقد بحث ميشال سورا هذا الوضع الجديد من خلال إشكاليته البحثية التي تقوم على أن المقاومات الشعبية الناشئة في باب التبانة (مع علي ثم خليل عكاوي: الغضب ثم المقاومة الشعبية) نقلت علاقات الحارة وعصبيتها الأهلية من الحارات والأسواق القديمة إلى حي العمران والتكدس العشوائيين. ورأى سورا أن الرابطة أو العصبية الداخلية الجامعة لشبان الحارة هي انشدادهم إلى شيخ شباب منهم وتحلقهم حوله لجمعه في شخصيته صفات النخوة والشجاعة والإقدام والذود عن أهل الحارة إضافة إلى انحداره إسمًا ونسبًا من مشيخة شباب سابقة وصلته بالثورة الفلسطينية (بعد الصلة بالناصرية). وقد نحت ميشال سورا مصطلح الحارة/الأمة كمفهوم أساسي لفهم الانتفاضات الدائمة في باب التبانة . هذه الحارة/الأمة كانت عروبية أيام عبد الناصر (1958-1968) ثم عروبية فلسطينية أيام فتح (1968-1979) ثم إسلامية منذ انتصار الثورة الإيرانية (1979) وتأسيس حركة التوحيد (1982) ثم إسلامية سنية سلفية في مرحلة المواجهة الشاملة مع النظام السوري.
مع دخول الجيش السوري إلى طرابلس في نهاية حرب السنتين العام 1976، كان خليل عكاوي قد لجأ إلى مخيم البداوي الفلسطيني على تخوم المدينة، واحتمى فيه من مطاردات الجهاز الأمني السوري. وحتى العام 1979، عاش مقاتلو هذه "المقاومة" في حال من الخوف جراء قيام المخابرات السورية بمطاردتهم، واعتقالها بعضهم في بيوتهم، واغتيالها آخرين منهم. وقامت القيادة العسكرية والأمنية السورية بإنشاء منظمة أمنية وعسكرية في حي بعل محسن الذي أخذ يتحول معقلًا سكنيًا للعلويين في مواجهة باب التبانة ذي الغالبية السكانية السنّية. أخيرًا، وفي خضم الصدامات العسكرية المتكررة بين الحيّين المتقابلين، عاد خليل عكاوي إلى معقله، وقام بتنظيم "المقاومة" ضد بعل محسن. .
وفيما بعد تأثر خليل عكاوي بالثورة الإسلامية في إيران وهو ما دفع «المقاومة الشعبية» إلى إجراء مراجعة فكرية. فشارك أبو عربي في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي في جلسات النقاش والحراك الفكري التي أفضت بجميع تلك النخبة النضالية إلى اعتناق الإسلام كفكر سياسي وإيديولوجي تغييري . وبعد جلسات نقاش فكرية ودراسة الواقع المحلي والإقليمي بشكل معمق عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان خطا خليل خطوة غيّرت مجرى حياته وحياة من معه..وهو جسّد اكتشافه هذا بإنشاء ما سماه "لجان المساجد والأحياء"، جاعلًا من المسجد واجتماع الناس ولقائهم وأدائهم الشعائر الدينية فيه، بؤرة نشاط "سياسي"، دعوي وتنظيمي، يمزج النضالية الشعبوية العروبية واليسارية بالنضالية الدينية الإسلامية. والاكتشاف هذا كان دارجًا في صوَر وأشكال مختلفة في تلك الحقبة وبعدها. ومن صوره ما فعله كثير من المجموعات والشخصيات اليسارية اللبنانية . 
وقد تحوّل "أبو عربي" صوب الألتزام التام بشعائر الإسلام وفروضه، واستخدام عبارات ولغة إسلامية في بياناته وخطبه، وذلك قبل تأسيس "حركة التوحيد ". ويصف سورا هذا التحول بأنه كان يهدف إلى إقامة لحمة عضوية بلا وسائط بين المشيخة وجندها و"الحارة - الأمة" التي صارت إسلامية بعدما كانت عروبية. أو لنقل إنه قدّم المثال الإسلامي على المثال العروبي، معتبرًا أن الإسلام يجدّد قوة "المستضعفين"، أي "الفقراء والكادحين والشعب" في المثال العروبي واليساري. هكذا صار "العنف الإسلامي" ضد "المستكبرين" بديلًا عن العنف الثوري الشعبي، بعدما كان "المستكبرون" هم الرأسماليون و"طغمتهم" و"المارونية السياسية"، وصولًا إلى الإمبرياليين في المثال السابق. وبدأ خليل عكاوي يتحدث عن الشرعية و"الإجماع" الديني والجماهيري المستمدين من صوَر الإسلام الأول، أي إسلام النبي وصحابته من السلف الصالح والأولياء الصالحين.. 
كان خليل عكاوي ثوريًا شعبيًا يحلم بالجماهير الإسلامية وأمواجها البشرية المتلاطمة في حشد مليوني يزحف لتحرير القدس. وتحت إلحاح هذا الحلم، شكل خليل عكاوي وتنظيمه في صيف 1982 إحدى ركائز حركة التوحيد الإسلامي في طرابلس، إلى جانب حركة "جند الله" (السلفية الطرابلسية)، و"حركة لبنان العربي" (التي تعود بأصولها إلى اليسار الماوي و"كتيبة فتح الطلابية"). 
وكان للداعية الإسلامي الطرابلسي باسم ميقاتي و"لجانه الإسلامية المستقلة" في دعوتها إلى إسلام "تربوي" و"ثقافي"، دور في تثقيف جماعات "مقاومة عكاوي الشعبية". فبلال مطر، الذي دعاه عكاوي إلى حمل "شباب المقاومة" على أداء شعائر الإسلام وفروضه، روى أن قائد "المقاومة" استعان بميقاتي وناشطي لجانه لعقد حلقات تثقيفية في باب التبانة، فراحوا ينتقدون فيها الأفكار الماركسية، بناء على مقولات إسلامية لكل من علي شريعتي (الإيراني)، ومحمد باقر الصدر (عراقي، ومن مؤسسي "حزب الدعوة" الإسلامي)، وسيد قطب. وأخذ أولئك الناشطون يتحدثون في حلقاتهم عن صحابة النبي محمد، كأبي ذر الفغاري وغيره من الذين يُعتبرون من دعاة نصرة "الضعفاء والمظلومين" ضد "السلطان الجائر". واستعانت قيادة "المقاومة الشعبية" بخطباء يدعون من على منابر مساجد باب التبانة، إلى الالتزام الديني .
اغتيل خليل عكاوي”أبو عربي” على يد الأجهزة الأمنية السورية التي نصبت له كمينًا في منطقة باب الحديد بعد عودته من اجتماع لحركة التوحيد الإسلامي في منطقة أبي سمراء في 9 شباط 1986 …
تابع القراءة Résuméabuiyad

99999999999999999999999999 بديعة

0 التعليقات

أصبحت عند أهل حلب الشيء الجميل والمبهج، حتى باعة الفستق كانوا ينادون: "يا عيني يا فستق ياللي أكلت منك بديعة يا فستق".

بعد انتهاء موسم الصيف، كنت أستعدّ للعودة إلى بيروت، عندما اقترح عليَّ أصدقائي البقاء في المدينة واستئجار منزل أحيي فيه الحفلات، جرياً على عادة الفنانات آنذاك، فيقصدهن عشاق الفن من كل مكان ويغدقون عليهن المال.

استحسنت الفكرة وطلبت من أصدقائي مساعدتي في تأسيس بيت في حلب.

 

   عدت إلى لبنان لأطمئن على شقيقتي نظلة، فلازمت بيتها في ما يشبه الاعتكاف، إلى أن زارني الملحن عزت الجاهلي ومعه الممثل حسين رياض وعرض علي تكوين فرقة تمثيلية والسفر إلى فلسطين.


كانت حيفا أول مدينة تستقبلني وفرقتي، فرحت أبحث عن مسرح لأعمل فيه، لكن أصحاب المقاهي كانوا قد تعاقدوا مع فرق راقصة، وبعدما يئست من البحث، أخبرني أحد السكان بأن في الحي اليهودي مسرحاً، وحذرني من أني إذا عملت هناك سيقاطعني العرب لأن الحي يهودي وسيقاطعها اليهود لأن الفرقة عربية، فانتقلت إلى يافا وقصدت مقهى «البنور».

 

أقبل الجمهور بحماسة على فرقتي فحققت نجاحات إلى أن قامت الثورة في يافا واندلعت التظاهرات في تتابع مخيف، فأغلقت المدينة بكاملها، وعجز السكان عن مغادرة منازلهم، واضطرت الفرقة إلى تعليق عروضها لأيام على أمل بعودة الوضع إلى ما كان عليه، إلا أن الانتظار طال وكان الممثلون يتقاضون رواتبهم كاملة، ما دفعني إلى أن أصرفهم في حال سبيلهم.

غادرت فلسطين إلى مصر، مصطحبة معي ابنتي بالتبني جولييت، ونزلت في أحد فنادق عماد الدين، فلفتتها إعلانات مسرح علي الكسار ومسرحيات نجيب الريحاني، فقصدت مسرح الريحاني حيث التقيت حسين رياض فرحّب بي.

بعد انتهاء عرض "إنت وبختك" اقترح علي حسين رياض أن يعرفها على نجيب الريحاني ورافقني إلى غرفة هذا الأخير وكان معه بديع خيري وشخصيات أخرى، وما إن شاهدني الريحاني حتى قال لحسين رياض: «من أين لك بهذا الجمال الساحر؟».

 

عرّفني رياض بأنها إحدى أشهر فنانات الشام، فعرض علي الريحاني العمل معه في مصر، ولما سألت عن الأجر أجابها بأنه سيعطيها أعلى مرتب تحصل عليه ممثلة وكان لا يزيد على 45 جنيهاً، لكني اعترضت وتدخل حسين رياض ثم دولت أبيض، إلى أن وافقت بديعة على أن تعمل مقابل 60 جنيهاً مصرياً، ووقعت عقدها مع الريحاني. يومها اصطحبت جولييت وخادمتي وتناولن العشاء في مطعم «الباريزيانا».

 

 

 

لم أقتنع بالأجر الذي عرضه الريحاني عليها، فاتفقت مع روجينا على العمل معها وبأجر أكبر، بالإضافة إلى أني مدينة لروجينا بثلاثمائة ليرة ذهبية، كانت أعطتني إياها لتتمكن من السفر إلى مصر ومن دون أن أقدم لها أي ضمانات، فاعتذرت من الريحاني وعدت إلى روجينا في فلسطين.

خلال زيارتي مصر تعلمت أغنيات جديدة من بينها: "يا نواعم يا تفاح يا حاجة حلوة كويسة»، «سلمى يا سلامة رحنا وجينا بالسلامة»، «البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أدلع أملا القلل»، وغيرها من الأغاني المصرية التي كانت منتشرة آنذاك.

 

في فلسطين الحفلات أنستني مرارة الفشل الذي قابلته في المرة السابقة، وكنت ما أجمعه من «النقطة» في الليلة يساوي مرتّبي في مسرح الريحاني على مدى شهر كامل، إضافة إلى الهدايا الثمينة التي كان يرسلها إلي المعجبون. بعد انتهاء عقدي مع روجينا جلت في مدن فلسطين، ومنها انتقلت إلى حلب وطرابلس. عندما بدأ التعب ينهكني عدت إلى منزل شقيقتي في بيروت، وكانت اشترت بيتاً بدورها.

في بيروت، التقيت أمين عطاالله الذي كان جمع فرقة كبيرة من الممثلين، فأقنعني بالذهاب معه إلى فلسطين، نظراً إلى الأثر الطيب الذي تركته في نفوس الفلسطينيين، لكن العمل مع عطاالله لم يرق لي، لأني اعتادت الحرية والعمل بمفردي كصاحبة تخت، ولأن عطاالله كان يعطي زوجته الأدوار الرئيسة وأحضر معه من مصر المطربة رتيبة أحمد شقيقة فتحية أحمد.

 

 

 

لم تطل فترة عملي مع عطاالله فتركت فرقته وجمعت فرقتي خاصة وذهبت إلى حيفا حيث التقيت صديقتي القديمة المطربة ماري جبران.


 

تابع القراءة Résuméabuiyad

عبدالله خلف(*)... ماذا سيخسر أهل السنة في عرسال وعكار؟

0 التعليقات
عبدالله خلف(*)... ماذا سيخسر أهل السنة في عرسال وعكار؟: خاص: الرومي ماذا سيخسر أهل السنة في مناطق عرسال وعكار ومن يشبههما في لبنان لو خسرت طائفتهم كل موا...
تابع القراءة Résuméabuiyad

دراما الحرب

0 التعليقات
ابني
أبي لماذا لم يفتش علي، هو يعلم أني كنت صغيرا، 

أبني
ابني لماذا لم يفتش علي، يعلم أنه 

هل أنا مسيحي، هل أنا مسلم، هل أنا لبناني، هل أنا سويسري، هل أنا فادي شمس الدين أم فادي داغر، 
تابع القراءة Résuméabuiyad

الكتب العتيقة

0 التعليقات
أحب أن أجمع الكتب خصوصاً العتيقة والمستعملة. لا أعرف من أين ورثت هذه العادة، كلما شعرت براحت البال، أذهبت أفتش عن كتاب عتيق، أجد لذة في دفع ثمنه، أكثر من شراء سندوتيش،
 ومرات أنتبه كثيرا إلى كتب عتيقة اقتنيتها وسبقني أناس إلى قراءتها من خلال وضع اشارات وخطوط حول جمل محددة. 
لم يطل مكوثي كثيراً في البيت الجديد، حتى تراكمت الكتب في المكتبة المركونة في الصالون المطل على البحر، تكدّست الكتب خلال أشهر، الكتب أشبه بكائنات غريبة غير مرحب بها، برغم أني احبها، وتتآلف مع بعضها برغم تناقضاتها على رف واحد، لحية ماركس الى جانب الخميني وأبو نواس بجانب سيد قطب.

أحب أن أقرأ الكتب أيضاً، لكن في كل مرة أجد نفسي حيرة أي كتاب أقرأ، أو ربما اصاب بالجوع، فأقرأ ثلاثة أو اربعة كتب في وقت واحد، كلما دخلت الحمام أصطحب معي كتاباً، كأن الحمام المكان الأنسب لأراقب الكلمات،

برغم أني أقرأ كثيراً، لكن حين أنظر الى المكتبة أشعر كأني لم أقرأ شيئاً، كأن كل ما أقرأه يطير في الهواء، منذ امتهنت الكتابة، ضاعت متعة القراءة، أقرأ كثيرا وكأني لا أقرأ شيئاً، ولا يبقى سوى الفتات، أسأل في قرارة نفسي لماذا بقيت في مخيلتي كتب "الفضيلة" للمنفلوطي وأشعار مجنون ليلى، وفروسية عنترة.



تكدست الكتب في المكتبة، 
في تلك الليلة، سقط
بعلي لا تحب كتبي، وهي تنظر إليها كأنها تحتل مساحة من البيت، 
في ذلك  
في ذلك المساء، حين قرر الرجل ذو القبعة السوداء الذي كان في كتابة يومياته، هبت العاصفة "أولغا" باردة من سيبيريا الروسية، غيوم ضخمة غطت السماء ووصلت إلى لبنان على عجل، غيوم لا نعرف كيف تتجمع فجأة، غيوم هطلت ثلوجاً فوق السهول والجبال ووصل ثلجها إلى السواحل، والصقيع يقيد أصابعي من الحركة، غيوم سبقها برق صاعق ورعود كانت أشبه بسقوط السماء وتفجرها. الرجل ذو القبعة، يجلس في شقته الصغيرة، قبالة البحر يحتسي الشاي الأسود، السماء في مخيلته صارت شظايا أو انكسرت مثل زجاج مصقول، الأرض كأنها انشقت، السيول تحمل معها الأوحال والقناني الفارغة والنفايات تدخل البيوت في بعض المناطق، السيول تجرف الأتربة والخشب وتدخل البيوت المبنية على عجل في ضواحي المدينة، تلك البيوت المتهالكة التي يمكن سقوطها على رؤوس أصحابها، صراخ النساء في العاصفة لا يرد تدفق مياه الأمطار، كاميرا التلفزيون تحب صور الخراب، تصوِّر كل شيء.
مع أني احب الشتاء والمطر، بدأت مرتبكا في تلك اللحظات، وضعت القبعة السوداء على رأسي وجلست وجلست على كرسي عتيق، قبالة البحر أحتسي الشاي الأسود، ومنزعجا من دلف قليل ينسرب من سقف صالون بيتي، يخاف على كتبي من الرطوبة. اتخيل ماذا سأكتب الآن، يختلط خيالي بالغيوم الطويلة والكثيفة العابرة فوق البحر والبابسة، لم تكذب توقعات الطقس في ذلك المساء، قالت المذيعة بثوبها القصير إن ثمة عاصفة ثلجية ستصل من روسيا ووصلت. تصرف بعض الشبان كأنهم يرون الثلج للمرة الأولى في حياتهم.
أولغا أتت شرسة من روسيا، أجلس أنا الرجل ذو القبعة على الكنبة، أنظر إلى شاشة التلفزيون كما العادة، أسمع اسم العاصفة أتخيل حبيبة الشاعر إلياس أبو شبكة، كل فتاة روسية في مخيلتة هي أولغا. هل تكون أولغا العاصفة مثل امرأة... كل امرأة روسية هي عاصفة بمفاتنها. نساء الأولغا كن يدمرن الرجال في شارع المعاملتين، كن مثل احصنة تقودها اجنحة، نساء يقال انهن الرقيق الأبيض بأجساد نضرة أقوى من العاصفة.
أولغا أتت شرسة من روسيا، الرطوبة تخترق عظامي في غرفته المطلّة على البحر، الصقيع يلسع دمي، صوبيا الغاز في زاوية الصالون لا تعطي حرارة جيدة، أتغطى بحرام سميك، أشعر بضيق في التنفس، وتشنج في عضلات كتفى اليسرى، اتذكر ذلك الرجل الذي يخبرني أن ابنه يرقص عارياً في عز البرد، يروح ويجيء في الصالون حاملاً أقلام الحبر بيده كما لو أن شيئاً لم يحصل في الخارج، ابنه يرتدي الحفاض فحسب ويرقص عارياً ولم يشعر بالبرد، يقال أن الطفل يشعر بالدفئ من وبر جسمه.  يرقص الطفل قبالة التلفزيون ولا يرد على اصوات أمه، يشعر بمتعة كبير حين يتابع الإعلانات الراقصة، في كل لحظة كان يعيش لمزاجه، وأمه قلقة لأنه لم يتكلم حتى الآن، وحين اخذه إلى الطبيب قال: "إن تأخر الطفل في الحكي من الأمور العادية". سمعت كلام الطبيب ولكنها لم تكن مطمئنة، مضى أكثر من سنتين عمر الطفل ولم يقل كلمة "بابا"، ولم يجرب أن يأكل غير الحليب...
أسكب ما تبقى من الشاي الأسود،  المطر يسقط غزيراً فوق كرم الزيتون، المطر يهدر هديرا كالنهر، مرأب السيارات في المبنى أصبح مستنقعاً، عواء الكلب يصل خفيفاً من بعيد، حائط الدعم لدار المبنى يتصدع ويحدث صوتاً. المطر يسقط غزيراً على زجاج النافذة، نقاط الماء تنسرب كسهم، صوت المطر يشتد على الأرض وسطح المبني، الشق الصغير في سقف الصالون يدلف قليلاً، يتوجس الرجل من أن تصل المياه إلى كتبه، يلعن ساعة شراء هذه الشقة.
الكاميرا ترصد الثلج على المرتفعات، الجرافات تحاول منع قطع الطرق.
الثلج يسقط بغزارة فوق الجبال، الطرقات مقفلة منذ المساء، عظامي تسك من البرد، يشعر بكآبة من الزجر في البيت، "أولغا" مستمرة لأيام بشراستها، الكآبة مستمرة أيضاً، أشعر الرجل بضيق في التنفس مع أنه دائماً كان يحب المطر والثلج.
العاصفة مستمرة.
علي مات في اليوم الثاني للعاصفة، علي قتلته أولغا في ذلك الليل البارد على درج بارد. علي اختفى، استغرب غيابه طلاب الجامعة في شارع بلس، فتشوا عنه وجدوه ميتاً على درج المطعم. بقيت لسنوات أراه في الشارع وأفكر كيف ينام؟ ولم أر المكان الذي ينام فيه إلا لحظة موته، لم أره في الواقع رأيته في الصورة، والصورة تكذبه، لم ار نومه، كان في الصورة ميتاً لا يتنفس.
علي مات من الصقيع، أو وجدوه ميتاً على الدرج.
علي قتلته "أولغا"، وأولغا تجهل من هو علي، أولغا لم تكن تريد قتله لكنه مات... علي لم تقتله "أولغا" ولا تعرف من هو، الأعمار بيد الله، هكذا تقول الحكاية، علي قتله الله، بل قتلته الطبيعة. زليخة كانت تحب ان تعطي علي سيجارة في شارع الحمرا، تحب ان تعرف حكايته، وهي في كل مرة تسأل الرجل ذو القبعة عن اصله وفصله لا تجد جوابا مقنعاً، وغالباً ما يكون سؤالها أين ينام، وحي علمت أنه يمضي وقته في العراء، شهقة وقالت: "حرام، الله يلعن هالحياة".
علي حكاية ضائعة، قيل انه أستاذ جامعي في الرياضيات، بل حائز شهادات في الهندسة، وقيل إنه لبناني لا بل أردني من أصل فلسطيني، إنه علي العبد لله بل طوني فرسوخ... حكايا وقصص تداولها اطلاب الجامعة ورواد الحمرا إثر وفاته، غير أن الحقيقة هي أنه رجل متشرد، مأواه الرصيف... كان يفترش الأرض في شارع بلس... عصف به الصقيع، خطفت العاصفة الروسيّة حياته مخلفة وراءها حكايات متضاربة.
محطات التلفزيون منشغلة بسقوط الثلوج على المرتفعات المناطق، السيول والأتربة والقناني الفارغة والنفايات تدخل البيوت في الضواحي، الناس يشتكون الدولة، الوحل يغطي البلاط ويدخل غرف النوم، وعلي مات على الرصيف قليلون عرفوا من هو. إلا أن وجوده الدائم نسج الروايات الكثيرة حوله. فالبعض قال إنه كان بروفيسوراً في الرياضيات فقد عائلته خلال الحرب الأهلية ومعها رزانة عقله، والبعض الآخر يشيد بثقافة عالية تمتع بها، قربت إليه مثقفي الشارع الذين جالسوه لساعات من دون ملل. قالوا إنه مسيحي واسمه طوني فرسوخ، مكرم ربح صديقي يقول إنه مسلم وكان يناقشه بالقرآن، متعلم لكنه ليس أستاذاً.
قبل أن يبدأ الرجل ذو القبعة في الكتابة، مات علي الذي يفترض أنه سيكون بطلاً من أبطال رواية، مات في ذلك اليوم البارد على بلاط بارد في مدينة قاتمة، مات وفي يده سيجارة أخيرة لم تشتعل، ولم تحترق.
كان علي أكثر صموداً من الرجل ذو القبعة، في منطقة رأس بيروت، مات على الرصيف ولم يرحل من شارع بلس، مات من البرد هناك على الدرج ولم يرحل. شاهد كل المعارك التي حصلت ذلك المكان، وكل الحواجز والانفجارات
كان علي أكثر قدرة من الرجل ذو القبعة في الاحتفاظ بفرديته وحريته، يعرف باسمه الأول من دون عائلته، من دون منطقته أو دسكرته.
طوال تلك السنوات التي كان الرجل ذو القبعة يرى علي، على الرصيف قبالة الجامعة كنت يسأل أين ينام في لياليه، وأين يقضي حاجته، تلك الأمور العصية التي تربكه في الشارع، ربما لهذه الفرادة صارت رواية "الحمامة" لباتريك سوزكيند أهمية بالنسبة إليّه. علي لم يشرب النبيذ مثل بطل الحمامة، كان ينفث الدخان فحسب، لم يشاهده يأكل حتى.
طوال السنوات التي رأى فيها الرجل ذو القبعة علي، لم يعرف أصله وفصله، بقي رواية أو حكاية، قيل الكثير حوله وبقي غامضاً.
كان علي يحافظ على لوكه كأيقونة للشارع، يرتدي الجينز الواسع والمتسخ ويترك لحيته الشائبة والكثة ويحمل سيجارة ويشرب فنجان قهوة. كان ينفث الدخان ويشرب القهوة بفناجين بلاستيكية أكثر مما يأكل، يجلس على الرصيف ولا يزعج أحداً، مرات قليلة يسأل العابر إذا كانت بحوزته سيجارة أكثر مما يطلب.
علي في تشرده كان أكثر طمأنينة من الذين يجلسون في المقهى يتأمل العابرين كما لو أنه في فيلم سينمائي،  مات علي من دون أن يعرف أحد من أين أتى، ومن هم أهله، وأين كان منزله؟ كان الأكثر غفلة في مدينة تضج بالهويات والدسكرات، وحده اسم علي كان يدل على شيء ما لكنه كان اسماً عارياً.
ومات علي وفجأة صار مثل لحظة كربلائية في المدينة، قال المغني اليساري إنه الرمز الحقيقي للوطنية في لبنان، ... صورة علي تنتشر على الفايسبوك بشكل مفاجئ، صورة أيقونة الشارع تخرج من عزلتها. علي لم يدخل الفايسبوك من تلقاء نفسه، لم يفتح صفحة له، بل صار نجماً من نجوم الفسابكة.
علي من هو.؟ من أين أتى، قالوا انه فقد عائلته في الحرب، فتشدر على ارصفة شارع الحمرا.

علي صار حكاية كل رواد شارع الحمرا.
لم ار علي، منذ غادرت شارع الحمرا، ويوم بدأت الكتابة في ليلة العاصفة قرأت أنه مات، الكتابة والموت لا ينفصلان، فرحت يستذكر الماضي الذي يمضي،
                                                                                                                            
 قبل ان أبلغ الثلاثين، لم يعد لدي رغبة في الجلوس مطولاً في المقاهي، ولا في الترحال في مسافات بعيدة، لكني كنت مجبراً كل يوم في الذهاب الى العمل مسافة طويلة، وعلى إلقاء التحية على موظفين بالكاد أعرف اسماء كنيتهم، في الطرق تعلمت أنواع الشتم والسباب من خلال قيادة السيارة،
 .
 حين قررت كتابة رواية، أجد نفسي عاجزاَ عن كتاب حبكة روائية حول بطل محدد، أفكر برواية بلا أبطال، أو رواية بعشرات الأبطال وعشرات الحكايات، أو رواية بأبطال تشبه افلام كرتون. تزعجني رواية البطل الواحد. أكتب عن نفسي فأجد في ذلك مبالغة، وأكتب عن الآخرين فأغرق في التكرار، أكتب عن ابني فأحسب نفسي أعتدي على حياته، واعجز عن وصف حركاته، أما زوجتي فلا تحب الكتابة ولا قراءة الكتب، كنت أجدها مرتاحة أكثر مني في هذا الشعور.




كان علي أكثر صموداً مني في غفلته ومدينته.

 يجلس الرجل برغم أني لم أصل الى الأربعين من عمري، وصار لدي طفل يكاد يشبهني في كل شيء، بدأت أشعر باليأس والقنوط، وتنتابني مسحة سوداوية من كل شيء. كأن غراباً يغط على أصابعي، بات الموت الذي كان غائباً عن يومياتي حاضراً بقوة في سنواتي الأخيرة، صرت أتحسس ما اذا كان قلبي مازال يخفق، أرى تمساحاً في المجلى، وديناصوراً في البراد، أما سبب ضعفي في الحياة فهو احترافي الكتابة، بات عليّ أن ادوّن اتفه عارض في حياتي،
 أرى كل الأشياء من حولي كائنات كتابية، بل لا أستسيغ أي شيء ليس فيه مادة غاوية لكتابتها ذات مساء، الناس بشكل أو بآخر هم حكايات، والأحداث ذاكرة وربما ذكريات. اشعر بالاحتضار لمجرد اني اعمل في الصحافة واكتب مقالات عابرة في الجريدة، ربما كنت أتوهم أن في الكتابة وسيلة للخلود، لكن وجدت أنه يطغى عليها طابع السذاجة والحمق والجنون.............

أحب سقوط المطر لأقرا، 
,,,,,,,,,,,,,,,

العقل مأزق الوجود، الشجرة اكثر سعادة من البشر...
... كيف سيكون كريم في المستقبل، أحاول ان اتخيله من جديد؟ لم 

000
الكلمة جين سينطقها ستكون مثل جوهرة، يوم قلت له قل لهم باي، نظرة بعينين واسعتين، وابتسامة عريضة، لوجه بيديه الاثنتين، شعرت بالدهشة، سرت دمعة على اطراف رموشي، ومشيت,
.................


تنزعج مني صديقتي لأني أحب الكتب.
تابع القراءة Résuméabuiyad