99999999999999999999999999 بديعة

أصبحت عند أهل حلب الشيء الجميل والمبهج، حتى باعة الفستق كانوا ينادون: "يا عيني يا فستق ياللي أكلت منك بديعة يا فستق".

بعد انتهاء موسم الصيف، كنت أستعدّ للعودة إلى بيروت، عندما اقترح عليَّ أصدقائي البقاء في المدينة واستئجار منزل أحيي فيه الحفلات، جرياً على عادة الفنانات آنذاك، فيقصدهن عشاق الفن من كل مكان ويغدقون عليهن المال.

استحسنت الفكرة وطلبت من أصدقائي مساعدتي في تأسيس بيت في حلب.

 

   عدت إلى لبنان لأطمئن على شقيقتي نظلة، فلازمت بيتها في ما يشبه الاعتكاف، إلى أن زارني الملحن عزت الجاهلي ومعه الممثل حسين رياض وعرض علي تكوين فرقة تمثيلية والسفر إلى فلسطين.


كانت حيفا أول مدينة تستقبلني وفرقتي، فرحت أبحث عن مسرح لأعمل فيه، لكن أصحاب المقاهي كانوا قد تعاقدوا مع فرق راقصة، وبعدما يئست من البحث، أخبرني أحد السكان بأن في الحي اليهودي مسرحاً، وحذرني من أني إذا عملت هناك سيقاطعني العرب لأن الحي يهودي وسيقاطعها اليهود لأن الفرقة عربية، فانتقلت إلى يافا وقصدت مقهى «البنور».

 

أقبل الجمهور بحماسة على فرقتي فحققت نجاحات إلى أن قامت الثورة في يافا واندلعت التظاهرات في تتابع مخيف، فأغلقت المدينة بكاملها، وعجز السكان عن مغادرة منازلهم، واضطرت الفرقة إلى تعليق عروضها لأيام على أمل بعودة الوضع إلى ما كان عليه، إلا أن الانتظار طال وكان الممثلون يتقاضون رواتبهم كاملة، ما دفعني إلى أن أصرفهم في حال سبيلهم.

غادرت فلسطين إلى مصر، مصطحبة معي ابنتي بالتبني جولييت، ونزلت في أحد فنادق عماد الدين، فلفتتها إعلانات مسرح علي الكسار ومسرحيات نجيب الريحاني، فقصدت مسرح الريحاني حيث التقيت حسين رياض فرحّب بي.

بعد انتهاء عرض "إنت وبختك" اقترح علي حسين رياض أن يعرفها على نجيب الريحاني ورافقني إلى غرفة هذا الأخير وكان معه بديع خيري وشخصيات أخرى، وما إن شاهدني الريحاني حتى قال لحسين رياض: «من أين لك بهذا الجمال الساحر؟».

 

عرّفني رياض بأنها إحدى أشهر فنانات الشام، فعرض علي الريحاني العمل معه في مصر، ولما سألت عن الأجر أجابها بأنه سيعطيها أعلى مرتب تحصل عليه ممثلة وكان لا يزيد على 45 جنيهاً، لكني اعترضت وتدخل حسين رياض ثم دولت أبيض، إلى أن وافقت بديعة على أن تعمل مقابل 60 جنيهاً مصرياً، ووقعت عقدها مع الريحاني. يومها اصطحبت جولييت وخادمتي وتناولن العشاء في مطعم «الباريزيانا».

 

 

 

لم أقتنع بالأجر الذي عرضه الريحاني عليها، فاتفقت مع روجينا على العمل معها وبأجر أكبر، بالإضافة إلى أني مدينة لروجينا بثلاثمائة ليرة ذهبية، كانت أعطتني إياها لتتمكن من السفر إلى مصر ومن دون أن أقدم لها أي ضمانات، فاعتذرت من الريحاني وعدت إلى روجينا في فلسطين.

خلال زيارتي مصر تعلمت أغنيات جديدة من بينها: "يا نواعم يا تفاح يا حاجة حلوة كويسة»، «سلمى يا سلامة رحنا وجينا بالسلامة»، «البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أدلع أملا القلل»، وغيرها من الأغاني المصرية التي كانت منتشرة آنذاك.

 

في فلسطين الحفلات أنستني مرارة الفشل الذي قابلته في المرة السابقة، وكنت ما أجمعه من «النقطة» في الليلة يساوي مرتّبي في مسرح الريحاني على مدى شهر كامل، إضافة إلى الهدايا الثمينة التي كان يرسلها إلي المعجبون. بعد انتهاء عقدي مع روجينا جلت في مدن فلسطين، ومنها انتقلت إلى حلب وطرابلس. عندما بدأ التعب ينهكني عدت إلى منزل شقيقتي في بيروت، وكانت اشترت بيتاً بدورها.

في بيروت، التقيت أمين عطاالله الذي كان جمع فرقة كبيرة من الممثلين، فأقنعني بالذهاب معه إلى فلسطين، نظراً إلى الأثر الطيب الذي تركته في نفوس الفلسطينيين، لكن العمل مع عطاالله لم يرق لي، لأني اعتادت الحرية والعمل بمفردي كصاحبة تخت، ولأن عطاالله كان يعطي زوجته الأدوار الرئيسة وأحضر معه من مصر المطربة رتيبة أحمد شقيقة فتحية أحمد.

 

 

 

لم تطل فترة عملي مع عطاالله فتركت فرقته وجمعت فرقتي خاصة وذهبت إلى حيفا حيث التقيت صديقتي القديمة المطربة ماري جبران.


 


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق