اللبنانيون والإنتخابات التركية

زكريا حمودان


لا يُستغرب على المواطن اللبناني ولاءاته المتعددة والعابرة لحدود الوطن سواءً متعاطفًا أو مخدوعًا أو مستفيد. هذا الميول المتكرر على مدى سنوات منذ قيام لبنان الكبير حتى كتابة هذه السطور، جعل منه صندوق بريد يتغير حجمه مع تبدل الإحتياجات التي يفرضها من يستغل ضعف الساحة الداخلية. بناء على ما تقدم، نجد بأنَّ الداخل اللبناني اليوم متبعثرًا بين القوى المتصارعة في الشرق الأوسط ضمن حسابات كل فريق وكيف يرى لبنان الغد. أما أحد أوجه الإنتماء الخارجي الظاهر مؤخرًا فهو التهليل لتركيا بشكلٍ يطرح الكثير من التساؤلات في هذا الوقت تحديدًا.
لم تكد تبدأ النتائج الأولية للإنتخابات التركية بالظهور، حتى إنهالت التعليقات على صفحات التواصل الإجتماعي، وتصدرت الشعارات والصُوَر التي تُبَشِر بنجاح حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التشريعية التي شهدتها تركيا، بعدما حالت الإنتخابات الأولى بتشكيل حكومة نظرًا للنتائج المتقاربة التي شهدتها في الإنتخابات الأخيرة في حزيران الماضي. لكي تكون الأمور أكثر وضوحًا، فمن الواضح بأنَّ البيئة المتعاطفة مع نتائج الإنتخابات التركية هي ذات أغلبية سنية. أما الأسباب التي تدفع هذه البيئة للتحرك بهذا الإتجاه فهي متعددة ومنقسمة بين سياسية داخلية وخارجية، أهمها السياسة الخاطئة التي إتبعها من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن هذه البيئة وعلى رأسهم تيار المستقبل الذي أثبت غياب الإستراتيجية لديه في التعامل مع الأزمات اللبنانية الداخلية، وتخليه بشكلٍ أو بآخر عن بيئته التي إحتضنته لسنوات عدة. كذلك من الملفت للإنتباه بأنَّ السياسة التركية تحاول أن تجعل لها مكانًا في الداخل اللبناني قد يأكل من حصة المملكة العربية السعودية التي تتنافس معها أيضًا في سوريا بشكلٍ غير مباشر. أما للعودة إلى الداخل اللبناني، فهناك أسئلة عدة لا بُدَّ وطرحها اليوم على كل من يرفع علم تركيا أو يُهلل لها بشعارات النصر:
ماذا قدمت تركيا إلى البيئة المحرومة في طرابلس والشمال من مشاريع إنمائية حقيقية؟ ماذا فعلت تركيا لمحاربة الفقر والتسرب المدرسي في المناطق عينها؟ ما هو عدد السياح الذين ترسلهم تركيا سنويًا إلى طرابلس وجوارها لإنعاش السياحة في هذه المناطق؟ ما هو عدد المصانع التي بنتها تركيا لإنعاش الحركة الصناعية المعدومة في طرابلس والشمال؟
لم تقدم تركيا أي شيء يُذكر في هذا المجال ولكنها في المقابل قامت بنشر دعاية سياحية لها في شمال لبنان ضمن البيئة السنية بشكلٍ خاص وقد نجحت بذلك بشكلٍ واضح جدًا، ساهمت بتحريك إسطول طياراتها المدنية بين لبنان وإسطنبول، فتحت بابًا جديدًا لأسواقها كما أنها ربحت رؤس الأموال الهاربين من عدم الإستقرار في الداخل اللبناني، ربحت ورقة سياسية هشة تستطيع بأن تلعبها لاحقًا عند نضوج التسويات السياسية المرتقبة للأزمة السورية.
إنَّ هذا الواقع الأليم في غياب الحس الوطني وإرتفاع منسوب السذاجة من خلال التهليل لتركيا أو غيرها، سببه القهر الداخلي الذي فرضته عليها سياسات القمع والتجويع التي تتبعها الحكومات المركزية في لبنان، كما سياسات الأفرقاء بين فشل في التخطيط لإحتضان هذه البيئة سياسيًا، كما خروج البيئة الشيعية عن عقيدة الولاء إلى الوطن وإستبدالها بالولاء لإيران.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق